سألت واحداً من أهل الكويت القدامى عن الفرق بين رمضان اليوم ورمضان الأمس، فأجاب بلغة بليغة وموجزة: "كان رمضان شهراً من بين الشهور، فأصبح شهراً من الشهور"، وهي تمثل، ببلاغة، حال هذا الشهر الفضيل في عالم اليوم حيث يطغى الترفيه على العبادات، وحيث يتناقض المسلمون مع أنفسهم في تبني الازدواجية في السلوك، فيفكرون أين يقضون عطلة العيد، والشهر لم يكد يبدأ أيامه بعد، وحيث يتزاحمون على الصلاة في المساجد، ثم يهجرون ذلك فيما بعد رمضان. ولا زلت أذكر خطيب المسجد القريب من دارنا في خطبة العيد وهو يصرخ قائلاً: يا أيها المسلمون، ربُّ رمضان هو نفسه رب ما بعد رمضان! تنبيهاً للازدواجية في التمسك بعادة ارتياد المسجد أوقات الصلوات بعد انقضاء شهر العبادات. وحيث يحرص المسلمون على الإكثار من الصدقات والحسنات وفعل الخير في رمضان، ثم هجران أو التقليل من هذا الجود والكرم بعد رمضان، وحيث يتزاحمون على صلاة القيام، ولكن مع انقضاء ليلة القدر -حسب توقعاتهم- يقل عدد المُصلِّين بصورة ملحوظة، وحيث تنصب خيام الطعام في رمضان للفقراء والمحتاجين، ثم لا نجد لها أثراً بعد رمضان، وكأن الفقير والمحتاج قد استغنى بعد رمضان. وفي رمضان يتحسن سلوك كثير من الشباب على مستوى التعامل الأخلاقي، وهو شيء جميل، لكن تجدهم أكثر ضحايا حوادث الشوارع بسبب السرعة للوصول إلى المنزل قبل مدفع الإفطار، فتنفطر قلوب والديهم وأحبائهم. ثم بعد كل هذا يزداد الأمر سوءاً بفيضانات المسلسلات التلفزيونية والصفحات والبرامج الدينية، حيث يهدف الجميع إلى الربح على حساب هذا الشهر. وفي هذا الشهر يظهر المسلمون وكأن الدين الإسلامي قد أنزله الله سبحانه وتعالى بالأمس القريب، وليس منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، كما يتبين من تكرار نفس الأسئلة، خاصة الجنسية منها, بلا حياء, كل رمضان! وفي رمضان يكثِر المسلمون من الإسراف في الطعام بشكل غير طبيعي، فتحدُثُ أزمات الغلاء نظراً لزيادة الطلب على العرض، وكأن المسلمين لم يسمعوا قول الحق سبحانه في أن "المبذرين كانوا إخوان الشياطين", ولو كانت لدينا الشجاعة وحب الإحصائيات كما يفعل الأميركيون، واعترف المدينون بديونهم بسبب هذا الإسراف، لكانت مصيبة وطنية، ولم يأمرنا الدين بذلك. وبعد هذا كله تزدحم الأسواق بشكل غير طبيعي، وتلقى التهمة على رمضان، ثم العيد من بعده. والمضحك أن المسلمين يشتكون من كثرة المصاريف، ولكن يرددون الحكمة الأزلية "رمضان كريم"! والصحابي عمر بن الخطاب يقول: "إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". وما أن تقترب العشر الأواخر حتى يتهرَّب الموظفون من أعمالهم والطلبة من دروسهم بحجة صلاة القيام. ومنهم من يتهرب من عمله فيغادر دون إذن لقضاء العمرة، وهو لم يفكر قط في أن أجرة الأيام التي تهرَّب فيها من العمل تعد مالاً حراماً، لخداعه الوزارة أو المؤسسة التي يعمل بها. والمصيبة أن المسؤولين يتغاضون عن كل هذا التهرب والتكاسل بحجة العشر الأواخر والشهر الكريم!
document.write('');
لهذا كله نقول: وداعاً لشهر رمضان، كشهر عبادة وإخلاص وكرم وإنفاق في حدود الدين ذاته، لكن ما يحدث في أيامنا هذه يجعل العاقل يتساءل: متى تتخلص هذه الأمة من هذه الازدواجية؟!
document.write('');
لهذا كله نقول: وداعاً لشهر رمضان، كشهر عبادة وإخلاص وكرم وإنفاق في حدود الدين ذاته، لكن ما يحدث في أيامنا هذه يجعل العاقل يتساءل: متى تتخلص هذه الأمة من هذه الازدواجية؟!